أكد تقرير فورين بوليسي أنه في سياق أزمة المناخ، حدثت تحولات واسعة داخل صناعة تجارة السلع. وأصبح تجار السلع أكثر أهمية من أي وقت مضى للأسواق وأدوات التنظيم وسلاسل الإمداد التي تعتمد عليها السياسات المناخية العالمية الحالية. في الواقع، يجادل خبراء الصناعة وجماعات الدفاع عن البيئة الآن بأن التحول في الطاقة لا يمكن تحقيقه بدونهم.
ومع استعداد التجار لأن يصبحوا لاعبين رئيسيين في معركة الحياد الكربوني، فما الذي يمكن للمشرعين والجمهور القيام به لضمان أن تظل أنشطتهم المستقبلية تحت المراقبة العامة ومتوافقة مع أهداف السياسات؟ ما هو واضح هو أن لا أحد يرغب في تكرار أخطاء الماضي.
تجارة السلع
وتعتبر تجارة السلع قطاعًا غير شفاف وصعب التنظيم، ومندمجًا بعمق في سلاسل الإمداد العالمية التي تعتبر حيوية لتحول الطاقة؛ وتُعد سويسرا أكبر مركز تجاري في العالم. وتمثل الشركات التي لها عمليات كبيرة داخل حدودها 40% من جميع الصفقات العالمية في النفط و60% من تجارة المعادن. كما تتحكم أيضًا في حركة كبيرة للكاكاو، القطن، ومواد زراعية أخرى قد تؤدي إلى إزالة الغابات.
وتتمتع شركات تجارة السلع بتأثير هائل على المستقبل المستدام. ليس فقط لأنها تتحكم في التوزيع العالمي للنفط والغاز والمعادن اللازمة لإنتاج الألواح الشمسية والسيارات التي تعمل بالبطاريات، ولكن أيضًا لأنها في موقع فريد يتيح لها دفع عجلة تبني التقنيات الجديدة والسلوكيات السوقية المدفوعة بالسياسات. وتشمل هذه التقنيات تطوير الموارد منخفضة الكربون—مثل البدائل الوقودية للسفن والطائرات— وأسواق الكربون، التي تضع سعرًا للانبعاثات. على طريق الحياد الكربوني—كما في أي طريق آخر يمر عبر سلاسل الإمداد العالمية—هو وضع لا يمكن تجاوزه، بل يجب المرور من خلاله، حتى بالنسبة لمنتقدي الصناعة الكثر.
ويأتي هذا الوضع الخاص من الطبيعة الفريدة لهذه الشركات ككيانات توجد في مكان ما بين البنوك والمنتجين الصناعيين. ومثل البنوك، يقوم تجار السلع بتمويل المشاريع الجديدة، والعمل في أسواق العقود الآجلة، وإجراء الصفقات نيابة عن العملاء. ولكن منذ عقد الألفين، بدأوا أيضًا يتصرفون بشكل متزايد كمنتجين، حيث قاموا بشراء الأصول الثابتة مثل المصافي والمناجم والسكك الحديدية والطرق والمخازن بالقرب من الموانئ، وذلك لتلبية الطلب العالمي غير المسبوق على الموارد الطبيعية. ومن ثم، تمتد شركات السلع الكبرى اليوم عبر سلاسل الإمداد بالكامل، من نقطة الإنتاج إلى نقطة البيع. وهم أيضًا مشاركون في جميع جوانب التمويل واللوجستيات المطلوبة فيما بينهما، مما يمنحهم قوة فريدة للتأثير في نوعية الموارد التي تصل إلى السوق.
موقع محوري
ونقل التقرير عن فلوريان ويتشتاين، أستاذ أخلاقيات الأعمال في جامعة سانت غالن في سويسرا: إن "هذه واحدة من الأشياء المثيرة في هذا القطاع. هم في موقع مركزي ومفتاح للعديد من الصناعات، ويمكنهم فرض الشروط التي بموجبها تشتري الصناعات الأخرى تلك السلع." ونتيجة لذلك، لديهم "قدرة كبيرة على تحسين سلاسل القيمة" للاقتصاد العالمي.
أما بالنسبة للمنتقدين، فالمشكلة هي أن الشركات كانت تاريخيًا قليلة الاهتمام في ممارسة تلك القوة بطرق تضع سلاسل الإمداد في انسجام مع الأهداف الإنسانية والسياسية الخارجية الغربية. ومن السبعينيات وحتى سنوات "دورة السلع الفائقة" في الألفينيات، عندما انفجر الطلب على الموارد الطبيعية نتيجة للتنمية الاقتصادية في الصين والأسواق الناشئة الأخرى، كانت عمالقة تجارة السلع في العالم تعمل إلى حد كبير في الظلام. وخلال تلك العقود، جنى التجار أرباحًا غير مسبوقة، وغالبًا ما عملوا كمقرضين في آخر المطاف للأنظمة الاستبدادية أو التفرقة العنصرية أو المحظورة في أماكن مثل تشاد، جنوب أفريقيا، العراق، وإيران.
وبحسب التقرير، كانت هذه الممارسات نتيجة لقدرة الشركات على العمل تحت الرادار، لكن تلك الأيام قد ولّت، كما جادل صحفيا بلومبرغ خافيير بلاس وجاك فارشي في كتابهما لعام 2022 "العالم للبيع". ومع ذلك، لا تزال ثقافة تسليط الضوء على تجارة السلع حديثة نسبيًا. فكان في عام 2011، عندما طرحت "غلينكور"—التي كانت أكبر شركة تجارة سلع في العالم آنذاك—اكتتابًا عامًا أوليًا بقيمة 60 مليار دولار، أن صُدم بقية العالم ليكتشف مدى ثراء وقوة هذه الصناعة بالفعل. كما أن الوثائق التي تم الكشف عنها أثناء تلك الطرح النادر قد سلطت الضوء على الفساد الذي كان يغزو سنوات الدورة الفائقة، مما أثار تأثيرًا متسلسلًا عبر وسائل الإعلام.
مساران
وهناك مساران رئيسيان يمكن من خلالهما لشركات تجارة السلع مساعدة عملائها في الاستجابة للضغوط العامة لتقليص الانبعاثات. الأول هو أسواق الكربون الطوعية. وتم تصميم هذه الأسواق لمساعدة المصادر الكبرى التي يصعب إزالة كربونها (مثل شركات الطيران) على تعويض أثرها الكربوني من خلال شراء "ائتمانات" مرتبطة بمشاريع تقلل الانبعاثات في أماكن أخرى من الاقتصاد العالمي. وشراء تلك الائتمانات هو أمر طوعي بالكامل؛ لا توجد أي لوائح حكومية تلزم الشركات بالمشاركة. بدلاً من ذلك، يأتي الدافع من المسؤولية الاجتماعية وحملات الاستدامة، التي غالبًا ما يتم تطويرها استجابة لمطالب المستهلكين بمنتجات أكثر استدامة. وهذه المطالب تؤثر على الأرباح النهائية.
وتُعرَف أسواق الكربون الطوعية في مقابل أسواق الامتثال، وهي الأسواق التي تديرها الحكومات حيث يُطلب من الشركات الخاضعة لحدود الانبعاثات شراء تصاريح مباشرة من المنظمين في مزادات. تم تصميم سعر الائتمانات ليرتفع بمرور الوقت مع اقتراب العالم من الحياد الكربوني؛ ويُعد نظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (ETS) المثال البارز لذلك.
وأما في الأسواق الطوعية، فإن الائتمانات الكربونية تُطوَّر بشكل آني، دون ميزانية محددة أو حد أقصى للانبعاثات التي يمكن أن تنتجها الشركات المشاركة. بدلاً من ذلك، يتم تحويل المشاريع الواقعية التي تُقلل الانبعاثات (مثل تبني الطاقة المتجددة أو تقليل إهدار الطاقة) أو التي تزيل الكربون من الغلاف الجوي (مثل إعادة التشجير) إلى ائتمانات. وهنا يأتي دور تجار السلع.
ويتطلب تطوير الائتمانات الكربونية الطوعية تنسيق العديد من الطبقات في سلاسل الإمداد المادية والمالية: المنتجون الذين يحتاجون إلى رأس المال (والحوافز المالية) لتبني المبادرات الخضراء؛ وهيئة تصديق تحدد ما إذا كانت المشاريع تستحق الائتمانات الكربونية (وعددها)؛ والعميل النهائي الذي يسعى لشراء الائتمانات الناتجة كجزء من حملة المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ وأخيرًا، التجار الذين يكونون مستعدين لترتيب وتنفيذ الصفقة.
لذلك، يعتقد المستشارون ومراكز الفكر في مجال السياسة البيئية أن شركات السلع، بفضل مدى تأثيرها الفريد، يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في تطوير وتمويل وتنفيذ الأدوات المالية المرتبطة بجهود إزالة الكربون على الأرض، لا سيما في المناطق الغنية بالموارد والتي تعاني من نقص في الطاقة والمخاطر العالية في الجنوب العالمي، حيث تكون الشركات بالفعل متجذرة بعمق.